بسم الله الرحمن الرحيم
هناك بعض المزاعم التي تتردد وقرأتها من قبل لكاتبين وروائين ومؤرخين، وكذلك الشاهد الإيطالي الذي عاصر الفتح و يُدعى بـ "نيقولو باربارو" من كون الفاتح بعد فتحه للقسطنطينية، قد أباحها لجنوده لمدة ثلاثة أيام، حيث أحدثوا فيها مذبحة و أخربوها وانتهكوا أعراض نسائها. والحقيقة تقول أن سلطان مثل السلطان "محمد الفاتح" من الصعب أن يصدق عليه أحد هذا الفرية،
فالرجل قد شهد له المنصف من غير المسلمين قبل المسلمين. وللرد على هذا
الموضوع بشكل علمي، أقول بأنه حتى المؤرخين البيزنطيين الذين كانوا موجودين في
"إسطنبول" عند فتحها، لم يجرؤوا على إطلاق مثل هذه
المزاعم؛ لأن محمد الفاتح في فتحه للقسطنطينية وغيرها من المدن، قد التزم
بأوامر الشريعة الإسلامية، التي تُحرم على الجيوش الإسلامية أثناء وقت
الحروب القيام بتصرفات وأفعال معينة ضد العدو وممتلكاته، والتي منها على
سبيل المثال لا الحصر:
أ- القتل ظلمًا أو بالتعذيب، وقتل غير المشاركين في الحرب من الشيوخ والأطفال والنساء والعبيد والمجانيين ورجال الدين المعتكفين في صوامعهم.
ب- تحريم المثلة، أي يحرم قطع أعضاء الميت من إنسان أو حيوان.
ج- حرق المحاصيل والغابات والأشجار أو قطعها ما لم تكن هناك ضرورة حربية لذلك.
د- الزنى أو أي علاقة غير شرعية.
وقد كانت هذه التعاليم ورعايتها وتطبيقها بدقة والتزامهم بها، من أهم العوامل التي دفعت أجدادنا من نصر إلى نصر، وأن انتصاراتهم كانت متناسبة في التاريخ بمدى التزامهم بهذه القواعد.
والأحكام التي يمنع فيها القتل والتي ذكرتها، هي جزء من أحكام التعامل مع غير المقاتلين في الحرب للقاضي "ملا خسرو" قاضي العسكر في عهد الفاتح. وهل يمكن تصديق مزاعم حرق إسطنبول وتخريبها وقتل من فيها، وإسنادها لأمر سلطاني، كانت الأحكام الواردة في الكتاب، بمثابة قوانين لدولته؟!! إن القول بهذا مثال للزعم المحروم من أي دليل والذي لا ظابط له ولا مصداقية.
إن التاريخ يخبرنا بأن الفاتح في "23 مايو" أي قبل فتح المدينة، قد أرسل للبيزنطيين يخبرهم بأن المدينة ستسقط بعد أول هجوم عام، وأنه إن استسلموا فستسلم أرواحهم وأموالهم، ولن يتعرض لها أحد وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، أما إن فتحت المدينة عنوة فسوف تسيل الدماء ولن يتحمل السلطان المسئولية، ولكن الإمبراطور رفض هذا العرض، وبناء عليه فُتحت المدينة عنوة، ومع ذلك تم معالمتهم كما أسلفنا سابقًا.
وفي النهاية أجد أنه من المستحسن إيراد شهادة ثلاثة جهات مختلفة، وواقعة تاريخية تدل على رحمة السلطان الفاتح عندما فتح المدينة، مع اعطاء من كانوا فيها الأمان على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم.
1- شهادة الفيلسوف الروسي وأحد أبرز المفكرين في القرن العشرين، "أوسبنسكي" Ouspensky والذي قال: "لقد تصرف الأتراك بعد فتح إسطنبول عام 857هـ/1453م بشكل إنساني وبتسامح أكثر بكثير من تفوق الصليبيين عام 600هـ/1204م".
2- شهادة الدكتورة "ماري ملز پاتريك Mary Mills Patrick" الكاتبة الأمريكية في كتابها "صفحات من تاريخ تركيا الإجتماعي والسياسي والإسلامي" وهي تتحدث عن الفاتح: "الواقع أن السلطان محمد قد أظهر تسامحًا عظيمًا مع المسيحين، وليس أدل ما تسامحه معهم قوله لهم: 'انني أقسم بحرمة مساجد الله التي نتعبد بها أن أضمن لكم أن تجتمعوا في كنائسكم للصلاة والتضرع إلى الله'". وتضيف في موقع آخر من الكتاب: "الواقع أن السلطان محمد الفاتح أظهر تسامحًا عظيمًا مع المسيحين، وكان لكل ملة في زمنه رئيس ديني لا يخاطب غير حكومة السلطان مباشرة، ولكل ملة من هذه الملل مدارسها الخاصة، وأماكن للعبادة، وأديرة، كما أنه لم يكن يحق لأحد أن يتدخل في ماليتها، وكانت تُطلق الحرية لكل ملة لتتكلم اللغة التي تريدها".
3- شهادة قناة الـ CNN الأمريكية ومجلة الـ Time عند الحديث عن أهم مائة حادثة في الألف سنة الماضية والذي جاء فيه ذكر أن فتح إسطنبول يعد إحدى هذه الحوادث، فقد جاء فيهما: "كانت إسطنبول قبل فتحها من قبل الفاتح مدينة خربة ميتة، وبعد الفتح أصبحت هذه المدينة مدينة عامرة ومركزًا للتجارة للبلدان الأوروپية والبلدان الإسلامية على السواء".
أما شهادة التاريخ فتحكي لنا بأن الفاتح عندما قام بفتح القسطنطينية، لم يقم بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد بالقوة، بل حفاظًا على مشاعر المسيحين في المدينة عمل على شرائها من ماله الخاص، كما أنه أمر بعدم إزالة "نقوش الموزائيك المسيحية" منها، بل طلب أن تُغطى فقط، كما أنه لم يهدم سور المدينة وتركه بعد الدخول كما هو. وهذا كله يوضح أسلوب الفاتح في تعامله مع الأمور.
المصدر: الدولة
العثمانية المجهولة، 303 سؤال وجواب توضح حقائق غائبة عن الدولة
العثمانية، أحمد آق گوندوز، سعيد أوزتورك، وقف البحوث العثمانية، 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق