الأربعاء، 10 أبريل 2013

هل مات الفاتح بالسم؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الكثير والكثير جدًا من الناس يعرف أن سبب موت الفاتح هي هذه القصة: أن طبيبه اليهودي يعقوب پاشا قام بوضع السم له وهو على مشارف إيطاليا لفتحها.
هذه المعلومة المغلوطة السبب فيها هو مستشرق ألماني يُدعى "فرانتس
بابنگر" حيث قام هذا الرجل في عام 1953 بنشر كتاب له بعنوان "السلطان محمد الفاتح وعصره"، وذكر فيه هذه القصة.
والحقيقة أن سبب الموت الذي ذكره هذا المستشرق ليس بصحيح، فكان ادعاءه لموت الفاتح بهذه الطريقة هي نتيجة ترجمة تعسفية لكلمة تركية جاءت في نص في تاريخ المؤرخ "عاشق پاشا زاده" المسمى "تواريخ آل عثمان"، في الفصل الخاص بمرض السلطان محمد الفاتح الذي أدى إلى وفاته.
والعبارة المقصودة هنا هي كالتالي: " اتفق الأطباء -أي أطباء السلطان- على إعطائه (شراب فارغ)، وكان مجلس أطباء السلطان يضم فيمن يضم يعقوب پاشا اليهودي "المهتدي"، ولم يكن الپاشا هذا من النفوذ بحيث ينفرد بالرأي في المجلس، وضعت الكلمة التي تعسف
بابنگر بترجمتها كما هي من النص التركي، حيث يقول  بأن هذه الكلمة تعني "السم"، مع أنها في الحقيقة تعني "الدواء المقيئ" بمعنى الدواء الذي يفرغ المعدة مما بها من أكل وما شابهه.

ولكن ما غرض
بابنگر من هذا الادعاء بترجمة هذه الكلمة على هذا النحو؟
كان يقصد هذا المستشرق من هذا الادعاء أن يجر الرأي العام العالمي عامة والتركي خاصة إلى طرح مسألة موت الفاتح بالسم ومناقشتها، ولما كان من المعروف تاريخيًا أن السلطان "محمد الفاتح" -جريًا على العادة التركية في ذلك الزمان- قد أقام جامعه فوق مقبرة بيزنطية، فإن معنى تحليل رفاته أن يشمل ذلك حفرًا سيجر بالتالي إلى عملية تنقيب التربة ويمتد الأمر إلى المقبرة البيزنطية القديمة -حيث أن الضريح بجوار المسجد- وبالتالي سيتحول جامع السلطان محمد الفاتح -بحكم قانون الآثار التركية- إلى منطقة أثرية ومتحف، وبالتالي كان لابد أن يغلق تمامًا أمام المصلين وتمنع فيه الصلاة.

فطن المؤرخ التركي "شهاب الدين تكين داگ" إلى حملة بابن
گر على "الفاتح"، فقام هذا الرجل القدير في أثناء احتدام المناقشة في الصحف والمجلات والندوات بالرد عليه من خلال بحثه الشهير "قضية موت الفاتح"، أشار فيه أن بابنگر اعتمد في ادعائه هذا على "عاشق زاده" وهو مؤرخ عثماني أتى بعد فتح القسطنطينية بواحد وثمانين عامًا، وأن هذا الرجل لم يأتي بجديد في هذه القضية والتي أجمع فيها المؤرخين العثمانيين والأجانب في ذلك الوقت أن سبب موت الفاتح هو "مرض النقرس"، وهو المرض الذي أصاب كثير من السلاطين العثمانيين كان آخرهم السلطان "عبد الحميد الثاني" رحمه الله.

فند "شهاب الدين" تعسف بابن
گر في ترجمته الخاطئة للكلمة، ودحضه من وجهتي نظر لغوية وتاريخية، ثم أثبت فشل زعم بابنگر في مسألة تسمم الفاتح وفضح نواياه؛ فاستطاع إيقاف الحملة الشرسة العالمية على السلطان رحمه الله.

فكما لم ينس بعض رجال الغرب موقف صلاح الدين من فتح القدس، ما زال بعضهم لا يسنى الفاتح وفتحه للقسطنطينية، فما زال يوم 29 مايو من كل عام هوا يوم حزن عند بعض رجال الدين الغربيين، وهو يوم فتح القسطنطينية. 


المصدر: العثمانيون في التاريخ والحضارة، محمد حرب، المركز المصري للدراسات العثمانية وبحوث العالم التركي، القاهرة، 1994.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق