الخميس، 26 ديسمبر 2013

مصر في العهد العثماني: العلوم اللغوية (1)

بسم الله الرحمن الرحيم
العلوم العربية والأدبية:
وقد لقيت هذه العلوم اهتمامًا بالغًا من قبل القائمين على الحركة العلمية والتعليمية، حيث جاءت في المرتبة الثانية مباشرة بعد الاهتمام بالعلوم الدينية، حيث أتحدث عن البلاغة والمعاجم في هذا الجزء فقط.

البلاغة:
يمكن تعريف علم البلاغة بـ "تأدية المعنى الجليل واضحًا بعبارة صحيحة، تأسر النفوس والوجدان، مع ملاءمتها للموطن الذي يقال فيه، وحال الأشخاص الذين يُخاطبون". ولقد مر هذا العلم منذ تكوينه بعده أطوار مثله في ذلك مثل باقي العلوم اللسانية الأخرى، وبعيدا عن الخوض في هذه الأطوار، نجد أن أكثرها تأثيرا على المهتمين بعلم البلاغة، وخاصة في العصر العثماني طور التلخيص للكتب التي وصل العلم فيها إلى اكتماله، وكان أول من دفعها في هذا الاتجاه الإمام الفخر الرازي، الذي لخص كتاب الجرجاني "دلائل الإعجاز"، و"أسرار البلاغة"، مفيدا من "كشاف" الزمخشري وغيرها.

خلف الفخر الرازي، الإمام السكاكي، في القسم الثالث من كتابه "مفتاح العلوم"، حيث قام بوضع علمي المعاني والبيان في صيغتهما النهائية التي استقرت بعد ذلك على مدار العصور، ولقد أعتُبر هذا الكتاب النهاية التي وصل إليها علم البلاغة، لذا كل من أتى بعد السكاكي، لم يقم بالمشاركة في هذا العلم إلا بشرح الكتاب أو تلخيصه وتعليق الحواشي عليه.
وبنظرة فاحصة للتراث العثماني، نجد أن علماء تلك الفترة قد اختصوا علم البلاغة بمزيد من الاهتمام، فمن ناحية أقبل العلماء على دراسته والتزود منه بداية بحفظ أهم المتون، ثم تعلمه على يد المتخصصين. ومن ناحية أخرى عملوا على إفراد جزءا من مكتباتهم لأمهات كتب البلاغة، حيث كانوا حريصين على اقتناء كتب هذا العلم، وجعلها من أهم الكتب التي تحتويها مكتباتهم، مثل ما نراه في مكتبة الشيخ "محمد سعد الدين المرحومي" (1592 - 1662)، حيث أحتوت على أكثر من 10 كتب أو نسخ تتحدث عن هذا العلم كأساس البلاغة، ومتن المفتاح، وشروحه، وحاشية عليه، وغيره.

ويلاحظ أن أكثر من الطوائف الاجتماعية التي اختمت بإقتناء كتب البلاغة وقراءتها، أفرد سادات بني الوفا الصوفية، ويظهر هذا جليا من مكتبة الشيخ "عبد الوهاب أبو النخصيص بني وفا" (ت1678) التي أحتوت على أكثر من 6 كتب في البلاغة، وكذلك مكتبة الشيخ "زين الدين عبد الرزاق أبو العطا بني الوفا" (ت1685)، التي ضمت أكثر من 7 كتب حول هذا العلم.

أما عن قدر مشاركة علماء تلك الفترة في التصنيف في علم البلاغة، فيتضح أن لهم مشاركات جادة في هذا المجال على الرغم من قلتها، وقد تعددت أشكال التأليف عندهم في صور مختلفة، كتأليف، ووضع الحواشي والشروح على الكتب السابقة، وأختصاص قسم معين من أقسام البلاغة بالتصنيف، أو القيام بالكتابة في مواضيع أكثر تحديدا. ومن أشهر هؤلاء العلماء :

عبد الرؤوف المناوي (1545-1621):
وهو أحد العلماء الموسوعيون، الذين شاركوا في التأليف في الكثير من العلوم والمعارف والفنون، من تراجم وتصوف وحديث، وطب، وحيوان، ونبات، وتاريخ، حيث يقول عنه المحبي في خلاصة الأثر: "الإمام الكبير الحجة الثبت القدوة صاحب التصانيف السائرة، وأجل أهل عصره من غير ارتياب … وكان يقتصر يومه وليلته على وجبة واحدة من الطعام، وقد جمع من العلوم والمعارف على اختلاف أنواعها وتباين أقسامها، مالم يجتمع في أحد ممن عاصره ...". وقد وضع المناوي الكثير جدا من المصنفات الذي حُقق عدد منها، حيث نجد له في البلاغة كتاب "عماد البلاغة" وهو اختصار لكتاب المضاف والمنسوب
للثعالبي.

 "محمد الحتاتي المصري" (...-1641):
وهو "محمد بن أحمد بن محمد الحتاتي المصري"، ولي قضاء أسيوط والجيزة، حيث قال عنه المحبي: "الأديب الشاعر الكاتب المشهور، كان من أعيان الفضلاء وبلغاء الشعراء … له في الطب باع طويل، أخذ عن علماء مصر، ثم دخل الروم وأقام بها مدة طويلة ...". ترك عدة مؤلفات منها في علم البلاغة كتاب "حسن الصياغة في بيان مقامات علمي البلاغة"، ويقصد بها علمي المعاني والبيان.

 "شهاب الدين التلمساني" (1584-1631):
هو "أبو العبَاس شهابُ الدِين، أحمد بن محمَّد بن أحمد بن يحيى  المقَري التلمساني"، مؤرخ وأديب من علماء المغرب العربي، أرتحل إلى مصر عام 1618، ثم إلى الحجاز، وأقام بدمشق فترة، وتنقل بين القاهرة ودمشق مرات، إلى أن مات بالقاهرة ودُفن فيها. ولعل أشهر أعماله كتاب "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" -في أربع مجلدات- لتاريخ الأندلس وعلمائها وأدبائها. وقد ساهم هذا العالِم بمؤلف في علم البلاغة أسماه: "قطف المهتصر في أخبار المختصر"، وهو مؤلف على شرح التفتازاني "للمختصر".

 "ياسين الحمصي" (...-1651):
وهو "ياسين بن زين الدين بن أبي بكر بن عليم الحمصي"، شيخ عصره في علوم العربية، حيث وصفه صاحب الفوايد "بالإمام البليغ شيخ العربية، وقدوة أرباب المعاني والبيان". ولد بحمص ونشأ واشتهر وتوفى بمصر. وضع حاشيتين في علم البلاغة، إحداهما على المطول، والأخرى على المختصر للتفتازاني.


 "إبراهيم الميموني" (1583-1669):
هو إبراهيم بن محمد بن عيسى المصري الشافعي، نستطيع الحديث عنه بنقل كلام المحبي في خلاصة الأثر حيث يقول: "الإمام العلّامة الفهامة المحقق المدقق، خاتمة الأساتذة المتبحرين، كان آية ظاهرة في علوم التفسير والعربية، أعجوبة باهرة في العلوم النقلية والعقلية، حافظًا متفننا متضلعًا من الفنون، … أبلغ ما كان مشهورا فيه علم المعاني والبيان حتى قل من يناظره فيهما ….".  ترك عدة مؤلفات منها في البلاغة وضع حاشية على المختصر للتفتازاني.

 مرعي الحنبلي (...-1624):
هو العلّامة مرعي بن يوسف بن أبي بكر المقدسي الأزهري المصري الحنبلي، أحد علماء الأزهر الشريف الأجلّاء على مر العصور، بلغت عدد مؤلفاته ما يزيد عن 70 مؤلف تنوعت علومها، حيث وُجد مؤلفات له في الفقه والتفسير والعقائد والحديث، والنحو والصرف، والبلاغة، والسيرة، والتراجم، والتاريخ، والسلوك، والفضائل، ووجد كذلك له ديوان شعر. وللشيخ مرعي مؤلف في علم البلاغة أختص بجانب واحد منه وهو "علم البديع"، حيث أسمى كتابه هذا "القول البديع في علم البديع".

 "عبد البر الفيومي" (...-1661):
هو عبد البر بن عبد القادر بن محمد العوفي الفيومي، عالم، قاضي، وأديب ولد في القاهرة وتعلم بها، ثم ارتحل إلى الحجاز والشام، ومكث في دمشق نحو سنتين، ثم ارتحل إلى بلاد الروم، وتولى مناصب بها، وتوفي معزولا في القسطنطينية. صنف هذا العالِم كذلك في "علم البديع" في البلاغة مصنف بعنوان "حسن الصنيع في علم البديع".

 "عبد القادر الفيومي" (...-1613):
هو عبد القادر بن محمد بن زين الفيومي، فرضي، قاضي، فقيه، عارف بالحساب والهيئة والميقات والموسيقى، ترك كتابًا خاصًا "بعلم البيان" تحت عنوان: "فرائد البلاغة" وهو منظومة شعرية بلاغية.




 "عبد الجواد بن شعيب القنائي" (...-1663):
هو عبد الجواد بن شعيب بن أحمد بن عباد بن شعيب القنائي، عالِم، وقاضي، وأديب، يقول عنه المحبي: "إذا حدث أعجب وأبدع وأغرب وكان كثير الحفظ للأشعار ونوادر الأخبار ذا نظر في العلم دقيق وزيادة حذق وتحقيق وتقوى ظاهرة ومظاهر باهرة".
ترك مؤلفات كثيرة، منها رسالة بديعة في فن الاستعارة عنوانها "القهوة المدارة في تقسيم الاستعارة" .

 "أحمد بن محمد مكي الحموي"(...-1687):
وهو أحمد بن محمد مكي أبو العباس شهاب الدين الحسيني الحموي، عالم من علماء الحنفية، ترك الكثير من المؤلفات من بين كتب ورسائل، نذكر منها كتاب رائع في "الاستعارة" ذيله في مجلد بعنوان "درر العبارات وغرر الإشارات في تحقيق معاني الاستعارات"، وهو محقق ومطبوع.

مصر في العهد العثماني: العلوم اللغوية (2)

بسم الله الرحمن الرحيم
المعاجم (القواميس):
اللغة العربية هي أرقى اللغات السامية، فلا تعادلها لغة سامية أخرى، سواء كانت الآرامية أوالأمهرية أو العبرية أو غيرها في الفرع السامي. وتعد اللغة العربية كذلك من أرقى لغات العالم وأكثرها مرونة وسعة واشتقاقًا، وهو الذي أهّل اللغة العربية لتكون لغة القرآن الكريم والحديث الشريف، وما فيما من معاني تدل على منتهى السمو والرفعة.
وبعد اختلاط العرب المسلمين بغيرهم من الأعاجم، نتج عن ذلك انتشار اللحن في اللغة وفساد ملكة العربية، فظهرت المعاجم اللغوية بعد وضع علم النحو، وذلك لحفظ كلمات اللغة من الكلمات الدخيلة عليها.
ولعل من أشهر معاجم اللغة التي ظهرت في تاريخ الإسلام، معجم "لسان العرب" لابن منظور، "القاموس المحيط" للفيروز ابادي، و"المزهر" للسيوطي. وقد شهد القرن الثامن عشر -خاصة- ازدهارًا في تاليف المعاجم، حتى أنه كانت هناك ست نسخ بين كل ثمان نسخ من المعاجم بمكتبة الأزهر تعود للقرن الثامن عشر.


* "يوسف بن زكريا المغربى" (...-1611):

وهو الأديب الشاعر يوسف بن زكريا المغربي، أسهب الشهاب الخفاجي في مدحه، حيث قال في ترجمته: "عزيز مصر بنانا وبيانا، ويوسف عصره حسنا وإحسانا، نشأ في مصر يتعاطى صنعة الأدب، ويربط بأوتاد شعره كل سبب". له عدة مؤلفات  بالإضافة لديوان شعر أسماه "الذهب اليوسفي"، حيث مثل معجمه ""دفع الإصر عن كلام أهل مصر" (محقق ومطبوع)، الجانب الذي نتحدث عنه عند الحديث عن إضافته في مجال المعاجم. وترجع أهمية هذا العمل إلى أنه يُعتبر أول معجم من المعاجم المعروفة حتى الآن، و التى تتضمن مفردات اللهجة المصرية الحيه ومراحل تطورها.

ولقد كان الغرض الرئيسي لوضع ذلك المعجم كما أشار صاحبه، دفع النقد عن العامية المصرية، ولتقديم البراهين اللازمة على أن لغة أهل مصر لغة عربية الأصل صحيحة. وقرر"أن يرتب هذا الكتاب على أبهج ترتيبه، وتهذب ما يقع من عوام أهل مصر بأن يرجعه للصواب". كما ذكر أيضا من بين الأسباب المباشرة التي دفعته لوضع الكتاب، أنه رأى " أن بعض المتشدقين قد سمع من بعض الأصحاب ألفاظًا فصار يهزأ به، ويسخر منه مع أنها تحتمل الصواب". وأسس عمله هذا على "القاموس" للفيروز آبادى، و"درة الخواص" للحريرى، و"مختصر الصحاح"، و"أساس البلاغة" للزمخشري.
ويكتب المغربى في بداية مؤلفه: "ومثل هذا الكتاب لا تنتهى مقاصده ولا تغيض موارده"، ويعلق اللغوي والمستعرب الروسي الكبير "گريگوري شرباتوڤ" على هذا الوصف بقوله: "فلا نرى في ذلك الوصف أية مبالغة لأن الكتاب في الواقع يحتوى على كثير من المعلومات عن الحياة التاريخية والثقافية لذلك العهد، وعن بعض الشخصيات المعاصرة له، مثل علماء الازهر،والكتاب، والشعراء، وحكام ذلك العهد، وعن الأوساط والمناقشات الأدبية، وعن نظام الحياة وأنواع الملابس، وأصناف الأكل وآلات الطرب ألخ". ويقول شرباتوف كذلك بأن الباحثين في تاريخ وأثنوغرافيا مصر سيعثرون فيه على ضالتهم، وخصوصا في تلك الفصول التي تتحدث عن عادات أهل القاهرة وأخلاقهم، وغيرهم من أهالي المدن المصرية الأخرى، وعن تجميل وتنظيف القاهرة، ونظام الإنارة بالقناديل، وانتشار شرب القهوة، وبداية انتشار شرب التبغ في مصر.

"شهاب الدين الخفاجي" (1569-1659):
هو "شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي المصري" قاضي القضاة، أديب القرن السابع عشر، صاحب التصانيف في الأدب واللغة، والتي ياتي على رأسها معجمه "شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل" (محقق ومطبوع). تأتي أهمية هذا المعجم في أنه عمد إلى تنقية الألفاظ العربية الأصلية عن غيرها من الألفاظ الدخيلة المولّدة، وهذا بلا ريب أمرا فريدًا في نوعه، لم يتطرق إليه أحد من قبله، حيث نراه يقول في هذا: "فأحببت أن أهدي تحفة للإخوان، بل عروسا منقبة بنقاب الحسن والإحسان، وأضفت إليه فوائد، ونظمت في لبانه فرائد، وضممت إليه قسم المولد … وقد أوردت فيه ما يسر الناظر ويشرح الخاطر، مع شيء من النقد والرد، ولطائف أدبية تذكر عهود تهامة ونجد".

ولقد رتب الخفاجي كتابه على حروف المعجم، مع إبراز الكلمات المولدة عن غيرها من الكلمات الأصلية، وتحقيقًا لهذه الفائدة، نجده يجاهد في توضيح هذا الأمر، بحيث أن الكلمات التي يُتوهم بأنها مولدة وهي غير ذلك، يذكر بعد الانتهاء من شرحها بأنها غير مولّدة.
وقد أحتوى هذا المعجم على ما يَقرُب من 1413 من الكلمات، وعلى الرغم من أن معظمها يخدم الغرض الذي وضع له، وهو إظهار الكلمات المولدة من غيرها، إلا أنه وجد بعض العبارات والأمثال الشعبية التي ما زال المجتمع المصري يستخدمها إلى الآن، والتي منها : "حماتي تحبني" - وهو من الأمثال العامة يقوله من صادف نعمة لم تكن على خاطره. "سكران طينة" تقوله العامة لمن سكر سكرًا شديدا كأنه وقع في الطين.
وقبل الانتقال للحديث عن أعمال أخرى، يجب الوقوف عند هذين العملين (دفع الإصر، شفاء الغليل) والقول بأنهما اشتركا في أمرين: الابتكار، والمضمون. ويعد الاشتراك في المضمون أمرا هاما في تصحيح المفاهيم العامة، سواء بتصحيح الكلمات والألفاظ التي يُتوهم بأنها غير عربية أو العكس. أما الحديث عن الابتكار فهي وقوف هؤلاء العلماء على مواطن الداء في مجتمعهم، وإنتاج أعمال تقدم علاجًا لهذا الداء.

شرح كتاب "درة الغواص في أوهام الخواص":
وهو كتاب "للقاسم بن علي الحريري"، حيث يجد الناظر لشرح الخفاجي عليه، مدى ما كان يعد الرجل لهذا الأمر منذ زمن بعيد؛ لعظم الإضافات التي أضافها الخفاجي للكتاب، وازدان بها نتيجة لهذا الشرح، وأمور لم يتعرض لها صاحب الكتاب نفسه. وقد اعتمد الخفاجي في شرح الكتاب على دعامتين أساسيتين: الأولى رجوعه لكتب الأوائل التي عدها العلماء أمهات الكتب، والثانية وهي الأهم قيامه بتفنيد آراء الحريري، وتحليل ما أتى به من شواهد، فعمل على تصحيح ما فهمه الحرير وتحامله على معاصريه من العلماء، وقد كشف الخفاجي عن الغرض في القيام بهذا العمل في قوله: "فلما رأيت طعنه على السالف، دعاني الانتصار للسلف إلى تمييز الدرر من الصدف"، وهذا بطبيعة الحال أمر يحتاج إلى وافر جهد وطويل صبر، وتصميم على تحقيق الهدف المرجو.

"عبد الله الطبلاوي" (١٥٦٧-١٦١٨):
هو الشيخ العالِم "عبد الله بن محمد بن عبد الله الحسيني" المعروف بالطبلاوي، مقرئ، نحوي، لغوي، عروضي، بياني، وصفه المحبي بقوله: "وأنفرد بعلم اللغة في زمنه على جميع أقرانه". من جهوده في مجال اللغة، قيامه بكتابة عدة نسخ من "القاموس" للفيروز آبادي، كما قام باختصار معجم "لسان العرب" لابن منظور، في كتاب سماه "رشف الضرب عن لسان العرب"، ولكنه لم يكتمل. ترك لنا مؤلفات أخرى مثل: "شرح على تأسيس المروض في علم العروض"، "حاشية على حاشيه البدر الدماميني على مغني اللبيب لابن هشام".

مصر في العهد العثماني: العلوم اللغوية (3)

بسم الله الرحمن الرحيم


عبد الرؤوف المناوي (1545-1621):
وهو أحد العلماء الموسوعيون، الذين شاركوا في التأليف في الكثير من العلوم والمعارف والفنون، من تراجم وتصوف وحديث، وطب، وحيوان، ونبات، وتاريخ، حيث يقول عنه المحبي في خلاصة الأثر: "الإمام الكبير الحجة الثبت القدوة صاحب التصانيف السائرة، وأجل أهل عصره من غير ارتياب … وكان يقتصر يومه وليلته على وجبة واحدة من الطعام، وقد جمع من العلوم والمعارف على اختلاف أنواعها وتباين أقسامها، مالم يجتمع في أحد ممن عاصره ...". وقد وضع المناوي الكثير جدا من المصنفات الذي حُقق عدد منها، منها مصنفين على القاموس المحيط للفيروز آبادي، أحدهما شرح لم يكتمل حيث وصل فيه إلى حرف الحاء المهملة، والآخر حاشية شملته من أوله لآخره.

"علي الحلبي" (1567-1635):
وهو "علي بن إبراهيم بن أحمد بن علي بن عمر الحلبي، القاهري، الشافعي"، مؤرخ، أديب، فقيه، أصولي، نحوي، لغوي أصله من حلب، مولده ووفاته بمصر. له تصانيف كثيرة أشهرها كتابه في السيرة "إنسان العيون بسيرة الأمين المأمون" المعروفة بالسيرة الحلبية، كما أن له مؤلفات لغوية منها مختصر لمعجم "المزهر" للسيوطي تحت عنوان: "زهر المزهر في مختصر المزهر"، و"مطالع البدور" في قواعد العربية.

"محمد مرتضى الزَّبيدي" (1732ـ1791):
وهو العلّامة اللغوي والكاتب والشاعر والمؤرخ "محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق"، ينتهي نسبه إلى أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. أحد كبار علماء المسلمين في العصر العثماني، الذين ألفوا في علوم شتى منها التفسير، والحديث، والفقه، والتصوف، التاريخ القبلي، والأنساب، التراجم ومن الذين أدلوا بدلوهم في علم اللغة، حيث كَثُر تلاميذه بسبب أسلوبه المتميز في التحليل، وطريقته المميزة في التعليم والتي أثارت الإعجاب، حتى لقد كانت النساء تحضرن دروسه العلمية التي كان يلقيها في منزل أحد الأعيان كل مساء. وترجع شهرة هذا العالِم بصورة أساسية أهمية كتابه الموسوعي "تاج العروس من جواهر القاموس"، وهو شرح لقاموس "الفيروز آبادي" يقع في عشرة أجزاء؛ حيث يعد هذا المعجم من أوسع المعاجم العربية، ولا يضارعه في حجمه أو يفوقه إلا «لسان العرب» لابن منظور، وقد أمضى في تأليفه "أربعة عشر" عاماً كان يواصل فيها عمله من دون انقطاع، فبدأ الاشتغال به عام 1760، وانتهى منه في 1774. وإلى الآن ما زال الباحثين والعلماء يُقدرون هذا العمل القيم الضخم، والذي بلغ حجمه 5 أمثال العمل الأصلي للفيروز آبادي، وبإضافات ضخمة وكبيرة جدا، دفع المؤرخ الأمريكي الشهير "پيتر گران" القول بأن هذا العمل الموسوعي يمثل دائرة معارف لا تضارعها "دائرة المعارف الفرنسية" التي أنتجتها شخصيات عظيمة، ومما جعله كذلك يُقارن بقاموس أكسفورد الإنگليزي في وظيفته.

بدأ الزبيدي في تأليف هذه الموسوعة بعد مرور تسع سنوات على مجيئه لمصر، وبعد أن بلغ التاسعة والعشرون من عمره. ترك لنا الزَّبيدي الكثير من المؤلفات ما بين كتاب ورسالة، نذكر منها على سبيل المثال: "مناقب أصحاب الحديث"، "شرح الصدر في أسماء أهل بدر"، "حسن المحاضرة في آداب البحث والمناظرة"، "الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة"، "اتحاف السادة المتقين بشرح أحاديث إحياء علوم الدين"، "إرشاد الإخوان إلى الأخلاق الحسان"، هذا بالإضافة إلى تضمن أعماله على حصر لجميع الطرق الصوفية في عصره، وتراجم للرحالة المسلمين في القرن الثاني عشر الهجري.
ويذكر لنا الزبيدي سبب تأليفه لهذا المعجم الضخم، ويذهب إلى ما ذهب إليه ابن خلدون في أن الاهتمام بالعلوم اللغوية راجع إلى أنها علوم مساعدة للعلوم الشرعية، حتى يمكن فهم معاني هذه العلوم، حيث نراه يقول: "فإنني لم أقصد سوى حفظ هذه اللغة الشريفة إذ عليها مدار أحكام الكتاب العزيز والسنة النبوية، ولأن العالم بغوامضها يعلم ما يوافق فيه نية اللسان، ويخالف فيه اللسان النية".

وقد تطلب شرح القاموس من الزبيدي مجهودا ضخمًا جدًا، فقد كان لابد له قبل الشروع في تأليفه، قراءة معاجم اللغة السابقة كلها، كالصحاح للجوهري، واللسان للفيروز آبادي، والجمرة لابن دريد، والمخصص والمحكم لابن سيده، والتهذيب للأزهري، والأساس والفائق للزمخشري، وإصلاح المنطق لابن السكيت، والخصائص لابن جنى، وغيرها الكثير، والتي قرأها الزبيدي كلها.
وإلى جانب المعاجم فقد قرا الزبيدي كتب التاريخ، والحديث، والإسناد، والأنساب، والرجال، والتراجم، وتقويم البلدان "الجغرافية والرحلات"، والطب، والنبات، والحيوان، ودواوين الشعر، والتي نذكر منها: معجم البلدان لأبي عبيد البكري، تاريخ دمشق لابن عساكر، طبقات المفسرين للداودي، طبقات الشافعية للسبكي، تاريخ الإسلام للذهبي، خطط المقريزي، التذكرة في الطب للأنطاكي، كتاب النبات للدينوري.

وكانت تجاربه ورحلاته والمعرفة التي حصلها من بلاد الهند والعرب ومصر، يدونها في كتابه تحت عنوان "المستدرك"، وهي تتضمن معلومات جديدة انفرد بها الزبيدي، ولا توجد في معجم أو مرجع لغوي آخر.
وقد امتازت شروح الزبيدي على القاموس بروح تاريخية يعرف معها الباحث والدارس وجوها لمعاني الكلمات التي تتعلق بحياتها واصطناعها، وهو ما ينقص معاجمنا العربية حتى اليوم، فليس هناك في العربية معجم يذكر حياة الكلمات وموتها، ولكن الزبيدي يتتبع حياة الكلمات وموتها.

بلغت أعمال الزبيدي مئة وسبعة بين كتاب ورسالة، أكثر من نصفها يتصل بالحديث النبوي وسنده ورواته وتخريج بعض متونه، ومنها ما كتبه في الفقه والصوم والحج، وفي التاريخ واللغة والتصريف، وفي شرح بعض الخطب. فمنها
1- الروض المعطار في نسب آل جعفر الطيار.
2- "نشوة الإرتياح في بيان حقيقة الميسر والقداح"
3- "شجرة الدخان"
4- "قهوة اليمن"
5- "كشف اللثام عن آداب الإيمان والإسلام"
6- ألفية السند، وهو كتاب في علم الحديث النبوي يحوي ألف وخمس مائة بيت شعر وشرحها
7- تحفة القماعيل في مدح شيخ العرب إسماعيل
8- جذوة الاقتباس في نسب بني العباس
9- أسانيد الكتب الستة
وكان من أبرز تلامذته المؤرخ العلامة "عبد الرحمن الجبرتي".

الاثنين، 2 ديسمبر 2013

روائع من التاريخ العثماني

بسم الله الرحمن الرحيم
كُتيب روائع من التاريخ العثماني من أجمل الكتب العربية الصغيرة التي تتحدث عن مقتطفات تاريخية حدثت مع أكثر من سلطان عثماني، تدل على الرحمة والعدل والحكمة والذكاء.